روى الترمذي عن أبي رضي الله عنه، أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك. فأنزل الله {قل هو الله أحد}. وعند البيهقي والهروي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، أَنَّ الْيَهُودَ جَاءَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، صِفْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} فكان فيها الإعلام والإفهام والرد والإفحام، وإثبات الكمال لله و توحيد الله وتفرده بصفات الكمال والألوهية ونفي الشرك والنقص عنه بجميع أنواعه وألوانه وأحواله. و فيها الرد على المشركين و اليهود وكذلك النصارى
للمزيد
{قل هو الله أحد}: إثبات للوحدانية والفردانية ونفي للتعددية. فالأحد: اسم لمن تفرد في ذاته، وتفرد في صفاته، وتفرد في أقواله وأفعاله، فلا يشركه في ذلك أحد. {الله الصمد}: وأما الصمد فهو الكامل في صفاته المحتاج إليه جميع مخلوقاته، قال ابن عباس ما ملخصه: "السيد الذي كمل في سؤدده ، العظيم الذي كمل في عظمته، الشريف الذي كمل له أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه، هذه صفته التي لا تنبغي إلا له". وقالوا: الصمد هو القائم بنفسه المقيم لغيره، وهو المستغني عن كل أحد ولا يستغني عنه أحد. وقالوا: ومن معانيه: الذي لا جوف له.. فلا يحتاج لأكل أو شرب، لأن من كان له جوف قابل أن يدخل إليه أشياء، ويخرج منه أشياء.. وحاشاه سبحانه. وقالوا: الصمد هو السيد المقصود في الرغائب، والمستغاث به في المصائب، فهو ملجأ العباد الذي لا ملجأ لهم سواه.. فهو الذي تصمد إليه القلوب وتتجه إليه في رغبها ورهبها. فاسم الصمد نفي عنه النقائص والمعايب، وأثبت له كل صفات الكمال والجمال والجلال.. واسم الأحد أثبت انفراده بذلك ونفى أن يشبهه فيه أحد سواه، وهذان الاسمان ( الأحد والصمد) لم يذكرا إلا في هذه السورة المباركة. ما في الوجود سواك رب يعبد .. .. كلا ولا مولى سواك فيقصد يا من له عنت الوجوه بأسرها .. .. ذلا وكــل الـكائنــات توحــد أنت الإله الواحــد الفـرد الذي .. .. كل القــلوب له تقــر وتشـهد ثم قال {لم يلد ولم يولد}: ليس له ولد ولا والد، فليس هو بأب لأحد، ولا ابن لأحد، سبحانه، وليس هو ممن يولد فيفنى، ولا هو بمحدث لم يكن فكان، تعالى وتقدس. وإنما قال لم يلد أولا قبل لم يولد؛ لأن من الناس من نسب له الولد، وليس يعرف أحد نسب له الوالد.. فكذب إفكهم، ورد بهتانهم، وقطع عليهم طرق افترائهم فقال: {لم يلد ولم يولد} ولهذا قال بعضهم في قوله {ولم يكن له كفوا أحد}: يعني لم يكن له زوجة. والأمر أعم من ذلك، فلم يكن له كفوا أحد، أي ليس له مكافئ، ولا شبيه، ولا مثيل، ولا نظير في كل ما سبق من أحديته وصمديته وتفرده في أسمائه وصفاته وأقواله وأفعاله. كما قال جل في علاه: {رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ۚ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} سورة مريم ، كلا وعزة جلال الله {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} سورة الشورى.
للمزيد